الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **
1- عن أم قيس بنت محصن: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه عليه ولم يغسله). رواه الجماعة. 2- وعن علي بن أبي طالب عليه السلام: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل). قال قتادة: وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعًا. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن. 3- وعن عائشة قالت: (أتي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء). رواه البخاري وكذلك أحمد وابن ماجه وزاد (ولم يغسله) ولمسلم (كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله). 4- وعن أبي السمح خادم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: (قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام). رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. 5- وعن أم كرز الخزاعية قالت: (أتي النبي صلى اللَّه عليه وسلم بغلام فبال عليه فأمر به فنضح وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل). رواه أحمد. 6- وعن أم كرز: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل). رواه ابن ماجه. 7- وعن أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت: (بال الحسين بن علي في حجر النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّه أعطني ثوبك والبس ثوبًا غيره حتى أغسله فقال: إنما ينضح من بول الذكر ويغسل من بول الأنثى). رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه. حديث علي أخرجه أيضًا أبو داود وابن ماجه بإسناد صحيح لأنه من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه. وأخرجه أيضًا أبو داود موقوفًا من حديث مسدد عن يحيى عن ابن أبي عروبة عن قتادة بالإسناد السابق إلى علي موقوفًا بلفظ: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) وأخرجه أيضًا مرفوعًا من حديثه بدون ما لم يطعم وجعله من قول قتادة. وكذلك أخرج عن أم سلمة أنها كانت تصب على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية. وحديث أبي السمح أخرجه أيضًا البزار وابن خزيمة من حديثه بلفظ: (كنت أخدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأتي بحسن أو بحسين فبال على صدره فجئت أغسله فقال يغسل) الحديث. وصححه الحاكم قال أبو زرعة والبزار: ليس لأبي السمح غير هذا الحديث ولا يعرف اسمه. وقال البخاري: حديث حسن. وحديث أم كرز الأول والثاني في إسنادهما انقطاع لأنهما من طريق عمرو بن شعيب عنها ولم يدركها وقد اختلف فيه على عمرو بن شعيب فقيل عنه عن أبيه عن جده كما رواه الطبراني وحديث أم الفضل أخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والطبراني. قوله: (لم يأكل الطعام) المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغير ذلك. وقيل المراد بالطعام ما عدا اللبن فقط. ذكر الأول النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وأطلق في الروضة تبعًا لأصلها الثاني. وقال في نكت التنبيه: إن لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وقيل لم يأكل أي لم يستقل بجعل الطعام في فيه ذكره الموفق الحموي في شرح التنبيه. قال الحافظ ابن حجر: والأول أظهر وبه جزم الموفق ابن قدامة وغيره قال ابن التين: يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى اللَّه عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه. قوله: (على ثوبه) أي ثوب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال: المراد به ثوب الصبي. قوله: (فنضحه) في صحيح مسلم من طريق الليث عن ابن شهاب فلم يزد على أن نضح بالماء. وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب فرشه زاد أبو عوانة في صحيحه عليه. قال الحافظ: ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنفيض الماء فانتهى إلى النضح وهو صب الماء. ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام (فدعا بماء فصبه عليه) ولأبي عوانة (فصبه على البول يتبعه إياه) انتهى. والذي في النهاية والكشف والقاموس أن النضح الرش. قوله: (ولم يغسله) ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند فنضحه قال: وكذلك روى معمر عن ابن شهاب وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال فرشه لم يزد. قال الحافظ في الفتح: وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج وقد أخرجه عبد الرزاق بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ولم يغسله وقد قالها مع ذلك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم وهو لمسلم عن يونس وحده. نعم زاد معمر في روايته قال ابن شهاب فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج لكنها غيرها فلا إدراج. وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك. قوله: (بول الغلام الرضيع) هذا تقييد للفظ الغلام بكونه رضيعًا وهكذا يكون تقييد اللفظ الصبي والصغير والذكر الواردة في بقية الأحاديث. وأما لفظ ما لم يطعم فقد عرفت عدم صلاحيته لذلك لأنه ليس من قوله: صلى اللَّه عليه وسلم. وقد شذ ابن حزم فقال إنه يرش من بول الذكر أي ذكر كان وهو إهمال للقيد الذي يجب حمل المطلق عليه كما تقرر في الأصول ورواية الذكر مطلقة وكذلك رواية الغلام فإنه كما قال في القاموس لمن طر شاربه أو من حين يولد إلى أن يشب وقد ثبت إطلاقه على من دخل في سن الشيخوخة. ومنه قول علي عليه السلام في يوم النهروان: أنا الغلام القرشي المؤتمن * أبو حسين فاعلمن والحسن وهو إذ ذاك في نحو ستين سنة. ومنه أيضًا قول ليلى الأخيلية في مدح الحجاج أيام إمارته على العراق. شفاها من الداء العضال الذي بها * غلام إذا هز القناة سقاها ولكنه مجاز قال الزمخشري في أساس البلاغة: إن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فإن قيل له بعد ذلك غلام فهو مجاز. قوله: (بصبي) قال الحافظ: يظهر لي أنه ابن أم قيس ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين. فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت: (بال الحسن أو الحسين على بطن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه). ولأحمد عن أبي ليلى نحوه. ورواه الطحاوي من طريقه قال: فجيء بالحسن ولم يتردد. وكذا للطبراني عن أبي أمامة ورجح الحافظ أنه غيره. قوله: (فأتبعه) بإسكان المثناة من فوق أي أتبع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء. قوله: (يحنكه) قال أهل اللغة: التحنيك أي تمضغ التمر أو نحوه ثم تدلك به حنك الصغير. قوله: (فيبرك عليهم) أي يدعو لهم أو يمسح عليهم. وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته. وقد استدل بأحاديث الباب على أن بول الصبي يخالف بول الصبية في كيفية استعمال الماء وأن مجرد النضح يكفي في تطهير بول الغلام وقد اختلف الناس في ذلك على ثلاثة مذاهب: الأول الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول علي عليه السلام وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم وروي عن مالك وقال أصحابه هي رواية شاذة ورواه ابن حزم أيضًا عن أم سلمة والثوري والأوزاعي والنخعي وداود وابن وهب. والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكي عن مالك والشافعي. والثالث هما سواء في وجوب الغسل وهو مذهب العترة والحنفية وسائر الكوفيين والمالكية. وأحاديث الباب ترد المذهب الثاني والثالث وقد استدل في البحر لأهل المذهب الثالث بحديث عمار المشهور وفيه (إنما تغسل ثوبك من البول) إلخ وهو مع اتفاق الحفاظ على ضعفه لا يعارض أحاديث الباب لأنها خاصة وهو عام وبناء العام على الخاص واجب ولكن جماعة من أهل الأصول منهم مؤلف البحر لا يبنون العام على الخاص إلا مع المقارنة أو تأخر الخاص وأما مع الالتباس كمثل ما نحن بصدده فقد حكى بعض أئمة الأصول أنه يبنى العام على الخاص اتفاقًا وصرح صاحب البحر أن الواجب الترجيح مع الالتباس ولا يشك من له أدنى إلمام بعلم الحديث أن أحاديث الباب أرجح وأصح من حديث عمار وترجيحه لحديث عمار بالظهور غير ظاهر وقد جزم صاحب البحر في المعيار وشرحه بأن الواجب مع الالتباس الإطراح فتخالف كلامه. وجزم صاحب المنار بأن العام متقدم والخاص متأخر ولم يذكر لذلك دليلًا يشفي. وأما الحنفية والمالكية فاستدلوا لما ذهبوا إليه بالقياس فقالوا المراد بقوله: ولم يغسله أي غسلًا مبالغًا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث من التفرقة بين بول الغلام والجارية فإنهم لا يفرقون بينهما. والحاصل أنه لم يعارض أحاديث الباب شيء يوجب الاشتغال به.
1- عن أنس بن مالك: (أن رهطًا من عكل أو قال عرينة قدموا فاجتووا المدينة فأمر لهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلقاح وأمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها وألبانها). متفق عليه. اجتووها أي استوخموها. وقد ثبت عنه أنه قال (صلوا في مرابض الغنم). قوله: (من عكل) بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم. قوله: (أو عرينة) بالعين والراء المهملتين مصغرًا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هذا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي والشك من حماد. ورواه البخاري في المحاربين عن حماد أن رهطًا من عكل أو قال من عرينة قال ولا أعلمه إلا قال من عكل. ورواه في الجهاد عن وهيب عن أيوب أن رهطًا من عكل ولم يشك. وفي الزكاة رواه من طريق شعبة عن قتادة أن ناسًا من عرينة ولم يشك أيضًا. وكذا لمسلم من رواية معاوية بن قرة عن أنس. ورواه أيضًا البخاري في المغازي عن قتادة من عكل وعرينة بالواو العاطفة قال الحافظ: وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبراني من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل. وزعم ابن التين تبعًا للداودي أن عرينة هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان فعكل من عدنان وعرينة من قحطان. قوله: (فاجتووا) قال ابن فارس: اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة. وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة. وقيل الاجتواء عدم الموافقة في الطعام ذكره القزاز وقيل داء من الوباء ذكره ابن العربي. وقيل داء يصيب الجوف والاجتواء بالجيم. قوله: (فأمر لهم بلقاح) بلام مكسورة فقاف فحاء مهملة النوق ذوات اللبن واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف قال أبو عمرو يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون واللقاح المذكورة ظاهر الروايات إنها للنبي صلى اللَّه عليه وسلم. وثبت في رواية للبخاري في الزكاة من طريق شعبة عن قتادة بلفظ: (فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة) قال الحافظ: والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى طلب هؤلاء النفر الخروج. قوله: (أن يخرجوا فيشربوا) في رواية للبخاري وأن يشربوا أي وأمرهم أن يشربوا. وفي أخرى له (فاخرجوا فاشربوا) وفي أخرى له أيضًا (فرخص لهم أن يأتوا فيشربوا). قوله: (وقد ثبت إلخ) هو ثابت من حديث جابر بن سمرة عند مسلم. ومن حديث البراء عند أبي داود والترمذي وابن ماجه. قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم: قد صح في هذا الباب حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة. وقد استدل بهذا الحديث من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه وهو مذهب العترة والنخعي والأوزاعي والزهري ومالك وأحمد ومحمد وزفر وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني. أما في الإبل فبالنص وأما في غيرها مما يؤكل لحمه فبالقياس. قال ابن المنذر ومن زعم أن هذا خاص بأولئك الأقوام فلم يصب إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل ويؤيد ذلك تقرير أهل العلم لمن يبيع أبعار الغنم في أسواقهم واستعمال أبوال الإبل في أدويتهم. ويؤيده أيضًا أن الأشياء على الطهارة حتى تثبت النجاسة وأجيب عن التأييد الأول بأن المختلف فيه لا يجب إنكاره وعن الاحتجاج بالحديث بأنها حالة ضرورية وما أبيح للضرورة لا يسمى حرامًا وقت تناوله لقوله: تعالى ويرد هذا الجواب بأن الصلاة في مرابض الغنم تستلزم المباشرة لآثار الخارج منها والتعليل بكونها لا تؤذي أمر وراء ذلك والتعليل للنهي عن الصلاة في معاطن الإبل بأنها تؤذي المصلي يدل على أن ذلك هو المانع لا ما كان في المعاطن من الأبوال والبعر. واستدل أيضًا بحديث لا بأس ببول ما أكل لحمه عند الدارقطني من حديث جابر والبراء مرفوعًا. وأجيب بأن في إسناده عمرو بن الحصين العقيلي وهو واه جدًا قال أبو حاتم: ذاهب الحديث ليس بشيء. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال الأزدي: ضعيف جدًا. وقال ابن عدي: حدث عن الثقات بغير حديث منكر وهو متروك. وفي إسناده أيضًا يحيى بن العلاء أبو عمر البجلي الرازي قد ضعفوه جدًا قاله الدارقطني وكان وكيع شديد الحمل عليه. وقال أحمد: كذاب. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال النسائي والأزدي: متروك. واحتجوا أيضًا بحديث (إن اللَّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) عند مسلم والترمذي وأبي داود من حديث وائل بن حجر وابن حبان والبيهقي من حديث أم سلمة وعند الترمذي وأبي داود من حديث أبي هريرة بلفظ: (نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن كل دواء خبيث) والتحريم يستلزم النجاسة والتحليل يستلزم الطهارة فتحليل التداوي بها دليل على طهارتها فأبوال الإبل وما يلحق بها طاهرة. وأجيب عنه بأنه محمول على حالة الاختيار وأما في الضرورة فلا يكون حرامًا كالميتة للمضطر فالنهي عن التداوي بالحرام باعتبار الحالة التي لا ضرورة فيها والإذن بالتداوي بأبوال الإبل باعتبار حالة الضرورة وإن كان خبيثًا حرامًا ولو سلم فالتداوي إنما وقع بأبوال الإبل فيكون خاصًا بها ولا يجوز إلحاق غيره به لما ثبت من حديث ابن عباس مرفوعًا: (إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم). ذكره في الفتح والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه على أن حديث تحريم التداوي بالحرام وقع في جواب من سأل عن التداوي بالخمر كما في صحيح مسلم وغيره ولا يجوز إلحاق غير المسكر به من سائر النجاسات لأن شرب المسكر يجر إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف ذلك ويجاب بأنه قصر للعام على السبب بدون موجب والمعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب. واحتج القائلون بنجاسة جميع الأبوال والأزبال وهم الشافعية والحنفية ونسبه في الفتح إلى الجمهور. ورواه ابن حزم في المحلى عن جماعة من السلف بالحديث المتفق عليه أنه صلى اللَّه عليه وسلم (مر بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر عن البول) الحديث. قالوا: فعم جنس البول ولم يخصه ببول الإنسان ولا أخرج عنه بول المأكول وهذا الحديث غاية ما تمسكوا به. وأجيب عنه بأن المراد به بول الإنسان لما في صحيح البخاري بلفظ: (كان لا يستتر من بوله) قال البخاري: ولم يذكر سوى بول الناس فالتعريف في البول للعهد قال ابن بطال: أراد البخاري أن المراد بقوله: كان لا يستتر من البول بول الإنسان لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال: فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها قال في الفتح: ومحصل الرد أن العموم في رواية من البول أريد به الخصوص لقوله: من بوله أو الألف واللام بدل من الضمير انتهى. والظاهر طهارة الأبوال والأزبال من كل حيوان يؤكل لحمه تمسكًا بالأصل واستصحابًا للبراءة الأصلية والنجاسة حكم شرعي ناقل عن الحكم الذي يقتضيه الأصل والبراءة فلا يقبل قول مدعيها إلا بدليل يصلح للنقل عنهما ولم نجد للقائلين بالنجاسة دليلًا كذلك وغاية ما جاؤوا به من حديث صاحب القبر وهو مع كونه مرادًا به الخصوص كما سلف عموم ظني الدلالة لا ينتهض على معارضة تلك الأدلة المعتضدة بما سلف. وقد طول ابن حزم الظاهري في المحلى الكلام على هذه المسألة بما لم نجده لغيره لكنه لم يدر بحثه على غير حديث صاحب القبر (فإن قلت) إذا كان الحكم بطهارة بول ما يؤكل لحمه وزبله لما تقدم حتى يرد دليل فما الدليل على نجاسة بول غير المأكول وزبله على العموم. قلت قد تمسكوا بحديث (إنها ركس) قاله صلى اللَّه عليه وسلم في الروثة أخرجه البخاري والترمذي والنسائي وبما تقدم في بول الآدمي وألحقوا سائر الحيوانات التي لا تؤكل به بجامع عدم الأكل وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن علة النجاسة عدم الأكل وهو منتقض بالقول بنجاسة زبل الجلالة والدفع بأن العلة في زبل الجلالة هو الاستقذار منقوض باستلزامه لنجاسة كل مستقذر كالطاهر إذا صار منتنًا إلا أن يقال إن زبل الجلالة هو محكوم بنجاسته لا للاستقذار بل لكونه عين النجاسة الأصلية التي جلتها الدابة لعدم الاستحالة التامة. وأما الاستدلال بمفهوم حديث (لا بأس ببول ما يؤكل لحمه) المتقدم فغير صالح لما تقدم من ضعفه الذي لا يصلح معه للاستدلال به حتى قال ابن حزم: إنه خبر باطل موضوع قال: لأن في رجاله سوار بن مصعب وهو متروك عند جميع أهل النقل متفق على ترك الراوية عنه يروي الموضوعات فالذي يتحتم القول به في الأبوال والأزبال هو الاقتصار على نجاسة بول الآدمي وزبله والروثة. وقد نقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير ولكنه زاد ابن خزيمة في روايته إنها ركس إنها روثة حمار. وأما سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها فإن وجدت في بول بعضها أو زبله ما يقتضي إلحاقه بالمنصوص عليه طهارة أو نجاسة ألحقته وإن لم تجد فالمتوجه البقاء على الأصل والبراءة كما عرفت. قال المصنف رحمه اللَّه في الكلام على حديث الباب ما لفظه: فإن أطلق الإذن في ذلك ولم يشترط حائلًا بقي من الأبوال وأطلق الإذن في الشرب لقوم حديثي العهد بالإسلام جاهلين بأحكامه ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما يصيبهم منها لأجل صلاة ولا غيرها مع اعتيادهم شربها دل ذلك على مذهب القائلين بالطهارة انتهى.
1- عن سهل بن حنيف قال: (كنت ألقى من المذي شدة وعناء وكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء فقلت: يا رسول اللَّه كيف بما يصيب ثوبي منه قال: يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه). رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. ورواه الأثرم ولفظه: قال: (كنت ألقى من المذي عناء فأتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: يجزيك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه). 1- وعن علي بن أبي طالب قال: (كنت رجلًا مذاء فاستحيت أن أسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: فيه الوضوء). أخرجاه ولمسلم (يغسل ذكره ويتوضأ) ولأحمد وأبي داود (يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ). 3- وعن عبد اللَّه بن سعد قال: (سألت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عن الماء يكون بعد الماء فقال: ذلك المذي وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة). رواه أبو داود. الحديث الأول في إسناده محمد بن إسحاق وهو ضعيف إذا عنعن لكونه مدلسًا ولكنه ههنا صرح بالتحديث. وحديث عبد اللَّه بن سعد أخرجه الترمذي وحسنه. وقال الحافظ في التلخيص: في إسناده ضعف. وفي الباب عن المقداد (أن عليًا أمره أن يسأل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم) أخرجه أبو داود من طريق سليمان بن يسار عنه. وفي رواية لأحمد والنسائي وابن حبان أنه أمر عمار بن ياسر. وفي رواية لابن خزيمة أن عليًا سأل بنفسه. وجمع بينها ابن حبان بتعدد الأسئلة. ورواه أبو داود من طريق عروة عن علي وفيه يغسل أنثييه وذكره وعروة لم يسمع من علي لكن رواه أبو عوانة في صحيحه من طريق عبيدة عن علي بالزيادة وإسناده لا مطعن فيه. قوله: (ألقى من المذي شدة) في المذي لغات فتح الميم وإسكان الذال المعجمة وفتح الميم مع كسر الذال وتشديد الباء وبكسر الذال مع تخفيف الياء فالأوليان مشهورتان أولاهما أفصح وأشهر والثالثة حكاها أبو عمر الزاهد عن ابن الأعرابي. والمذي ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند الشهوة بلا شهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه. ذكره النووي ومثله في الفتح. قوله: (فتنضح به ثوبك) قد سبق الكلام على معنى النضح في باب نضح بول الغلام وهكذا ورد الأمر بالنضح في الفرج عند مسلم وغيره. قال النووي: معناه الغسل فإن النضح يكون غسلًا ويكون رشًا. وقد جاء في الرواية الأخرى (فاغسل) وفي الرواية المذكورة في الباب (يغسل ذكره) وفي التي بعدها كذلك. وفي الأخرى (فتغسل من ذلك فرجك) فتعين حمله عليه ولكنه ثبت في الرواية المذكورة في الباب من رواية الأثرم بلفظ: (فترش عليه) وليس المصير إلى الأشد بمتعين بل ملاحظة التخفيف من مقاصد الشريعة المألوفة فيكون الرش مجزئًا كالغسل. قوله: (مذاء) صيغة مبالغة من المذي يقال مذى يمذي كمضى يمضي ثلاثيًا ويقال أمذى يمذي كأعطى يعطي ومذى يمذي كغطى يغطى. قوله: (وأنثييه) أي خصيتيه. قوله: (عن الماء يكون بعد الماء) المراد به خروج المذي عقيب البول متصلًا به. قوله: (وكل فحل يمذي) الفحل الذكر من الحيوان ويمذي بفتح الياء وضمها يقال مذى الرجل وأمذى كما تقدم. وقد استدل بأحاديث الباب على أن الغسل لا يجب لخروج المذي قال في الفتح: وهو إجماع وعلى أن الأمر بالوضوء منه كالأمر بالوضوء من البول وعلى أنه يتعين الماء في تطهيره لقوله: (كفًا من ماء وحفنة من ماء) واتفق العلماء على أن المذي نجس ولم يخالف في ذلك إلا بعض الإمامية محتجين بأن النضح لا يزيله ولو كان نجسًا لوجبت الإزالة ويلزمهم القول بطهارة العذرة لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر بمسح النعل منها بالأرض والصلاة فيها والمسح لا يزيلها وهو باطل بالاتفاق وقد اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما: لا يجزيه إلا الغسل أخذًا برواية الغسل وفيه ما سلف على أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض فالاكتفاء به صحيح مجزء. واستدل أيضًا بما في الباب على وجوب غسل الذكر والإنثيين على المذي وإن كان محل المذي بعضًا منهما وإليه ذهب الأوزاعي وبعض الحنابلة وبعض المالكية وذهبت العترة والفريقان وهو قول الجمهور إلى أن الواجب غسل المحل الذي أصابه المذي من البدن ولا يجب تعميم الذكر والإنثيين. ويؤيد ذلك ما عند الإسماعيلي في رواية بلفظ: (توضأ واغسله) فأعاد الضمير على المذي. ومن العجيب أن ابن حزم مع ظاهريته ذهب إلى ما ذهب إليه الجمهور وقال: إيجاب غسل كله شرع لا دليل عليه وهذا بعد أن روى حديث (فليغسل ذكره) وحديث (واغسل ذكرك) ولم يقدح في صحتهما وغاب عنه أن الذكر حقيقة لجميعه ومجازًا لبعضه وكذلك الإنثيان حقيقة لجميعهما فكان اللائق بظاهريته الذهاب إلى ما ذهب إليه الأولون. واختلف الفقهاء هل المعنى معقول أو هو حكم تعبدي وعلى الثاني تجب النية وقيل الأمر بغسل ذلك ليتقلص الذكر قاله الطحاوي.
1- عن عائشة قالت: (كنت أفرك المني من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه). رواه الجماعة إلا البخاري ولأحمد: (كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه). وفي لفظ متفق عليه: (كنت أغسله من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء) وللدارقطني عنها: (كنت أفرك المني من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يابسًا وأغسله إذا كان رطبًا) قلت: فقد بان من مجموع النصوص جواز الأمرين. 2- وعن إسحاق بن يوسف قال حدثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال: (سئل النبي صلى اللَّه عليه وسلم عن المني يصيب الثوب فقال: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بأذخرة). رواه الدارقطني وقال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك. قلت: وهذا لا يضر لأن إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين فيقبل رفعه وزيادته. حديث عائشة لم يسنده البخاري وإنما ذكره في ترجمة باب. ولفظ أبي داود: (ثم يصلي فيه) ولفظ الترمذي: (ربما فركته من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأصابعي) وفي رواية (وإني لأحكه من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يابسًا بظفري) وأخرج ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والدارقطني عن عائشة: (أنها كانت تحت المني من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي). وأخرج أبو عوانة في صحيحه وأبو بكر البزار من حديث عائشة: (كنت أفرك المني من ثوب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا كان يابسًا وأغسله إذا كان رطبًا) كحديث الباب وأعله البزار بالإرسال. قال الحافظ: وقد ورد الأمر بفركه من طريق صحيحة رواها ابن الجارود في المنتقى عن محمد بن يحيى عن أبي حذيفة عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام عن ابن الحارث قال: (كان عند عائشة ضيف فأجنب فجعل يغسل ما أصابه فقالت عائشة: كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنا بحته) قال: وأما الأمر بغسله فلا أصل له. وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا البيهقي والطحاوي مرفوعًا وأخرجه أيضًا البيهقي موقوفًا على ابن عباس وقال: الموقوف هو الصحيح. قوله: (أفرك) أي أدلك. قوله: (بعرق الأذخر) هو حشيش طيب الريح. قوله: (كنت أغسله) أي أثر الجنابة أو المني. قوله: (بقع الماء) هو بدل من أثر الغسل. وقد استدل بما في الباب على أنه يكتفى في إزالة المني من الثوب بالغسل أو الفرك أو الحث. وقد اختلف أهل العلم في المني فذهبت العترة وأبو حنيفة ومالك إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسًا وهو رواية عن أحمد. وقالت العترة ومالك: لا بد من غسله رطبًا ويابسًا. وقال الليث: هو نجس ولا تعاد منه الصلاة. وقال الحسن بن صالح: لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرًا وتعاد منه إن كان في الجسد وإن قل. قال ابن حزم في المحلى وروينا غسله عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وأنس وسعيد بن المسيب وقال الشافعي وداود وهو أصح الروايتين عن أحمد بطهارته. ونسبه النووي إلى الكثيرين من أهل الحديث قال: وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة قال: وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته. احتج القائلون بنجاسته بما روي في غسله والغسل لا يكون إلا لشيء نجس. وأجيب بأنه لم يثبت الأمر بغسله من قوله: صلى اللَّه عليه وسلم في شيء من أحاديث الباب وإنما كانت تفعله عائشة ولا حجة في فعلها إلا إذا ثبت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علم بفعلها وأقرها على أن علمه بفعلها وتقريره لها لا يدل على المطلوب لأن غاية ما هناك أنه يجوز غسل المني من الثوب وهذا مما لا خلاف فيه بل يجوز غسل ما كان متفقًا على طهارته كالطيب والتراب فكيف بما كان مستقذرًا. وأما الاحتجاج بحديث عمار مرفوعًا بلفظ: (إنما تغسل الثوب من الغائط والبول والمذي والمني والدم والقيء) أخرجه البزار وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وابن عدي في الكامل والدارقطني والبيهقي والعقيلي في الضعفاء وأبو نعيم في المعرفة فأجيب عنه بأن الجماعة المذكورين كلهم ضعفوه إلا أبا يعلى لأن في إسناده ثابت بن حماد اتهمه بعضهم بالوضع. وقال اللالكائي: أجمعوا على ترك حديثه وقال البزار: ولا يعلم لثابت إلا هذا الحديث. وقال الطبراني: انفرد به ثابت بن حماد ولا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد. وقال البيهقي: هذا حديث باطل إنما رواه ثابت بن حماد وهو متهم. قال الحافظ: قلت ورواه البزار والطبراني من طريق إبراهيم بن زكريا عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد لكن إبراهيم ضعيف وقد غلط فيه إنما يرويه ثابت بن حماد انتهى. فهذا مما لا يجوز الاحتجاج بمثله. واحتج القائلون بالطهارة برواية الفرك ويجاب عنه بمثل ما سلف من أنه من فعل عائشة إلا أنه إذا فرض إطلاع النبي صلى اللَّه عليه وسلم على ذلك أفاد المطلوب وهو الاكتفاء في إزالة المني بالفرك لأن الثوب ثوب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي فيه بعد ذلك كما ثبت في الرواية المذكورة في الباب ولو كان الفرك غير مطهر لما اكتفى به ولا صلى فيه ولو فرض عدم إطلاع النبي صلى اللَّه عليه وسلم على الفرك فصلاته في ذلك الثوب كافيه لأنه لو كان نجسًا لنبه عليه حال الصلاة بالوحي كما نبه بالقذر الذي في النعل. وأيضًا ثبت السلت للرطب والحك لليابس من فعله صلى اللَّه عليه وسلم كما في حديث الباب وثبت أمره بالحت وقال: (إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو أذخرة) وأجيب بأن ذلك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير فغاية الأمر أنه نجس خفف في تطهيره بما هو أخف من الماء والماء لا يتعين لإزالة جميع النجاسات كما حررناه في هذا الشرح سابقًا وإلا لزم طهارة العذرة التي في النعل لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أمر بمسحها في التراب ورتب على ذلك الصلاة فيها قالوا: قال صلى اللَّه عليه وسلم (إنما هو بمنزلة المخاط والبزاق والبصاق) كما في الحديث السابق وأجيب بأنه موقوف كما قال البيهقي. قالوا: الأصل الطهارة فلا ننتقل عنها إلا بدليل. وأجيب بأن التعبد بالإزالة غسلًا أو مسحًا أو فركًا أو حتًا أو سلتًا أو حكًا ثابت ولا معنى لكون الشيء نجسًا إلا أنه مأمور بإزالته بما أحال عليه الشارع. فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة وهذا خلاصة ما في المسألة من الأدلة من جانب الجميع. وفي المقام مطاولات ومقاولات والمسألة حقيقة بذاك ولكنه أفضى الأمر إلى تلفيق حجج واهية كالاحتجاج بتكرمة بني آدم وبكون الآدمي طاهرًا من جانب القائل بالطهارة وكالاحتجاج بأنه فضلة مستحيلة إلى مستقذر وبأن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة والمني منها وبكونه جاريًا مجرى البول من جانب القائل بالنجاسة وهذا الكلام في مني الآدمي وأما مني غير الآدمي ففيه وجوه وتفصيلات مذكورة في الفروع فلا نطول بذكرها. [فائدة] صرح الحافظ في الفتح بأنه لا معارضة بين حديث الغسل والفرك لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب قال: وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث. وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبًا والفرك على ما كان يابسًا وهذه طريقة الحنفية قال والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معًا ولأنه لو كان نجسًا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره فيما لا يعفى عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضًا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة: (كان يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ثم يصلي فيه ويحته من ثوبه يابسًا ثم يصلي فيه) فإنه تضمن ترك الغسل في الحالتين انتهى كلامه والحق ما عرفته.
1- عن أبي هريرة: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء). رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه. ولأحمد وابن ماجه من حديث أبي سعيد نحوه. حديث أبي سعيد لفظه: (في أحد جناحي الذباب سم وفي الآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء) وأخرجه أيضًا النسائي وابن حبان والبيهقي. وفي الباب من حديث أنس نحوه عند ابن أبي خيثمة في تاريخه الكبير قال الحافظ: وإسناده صحيح. قوله: (فليغمسه) هذا لفظ البخاري وعند أبي داود وابن خزيمة وابن حبان (وإنه يتقى بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله ثم لينزعه) ورواه أيضًا الدارمي وابن ماجه ولفظ ابن السكن: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليمقله أي يغمسه فإن في أحد جناحيه دواء وفي الآخر داء أو قال سمًا). واستدل بالحديث على أن الماء القليل لا ينجس بموت ما لا نفس له سائلة فيه إذ لم يفصل بين الموت والحياة وقد صرح بذلك في حديث الذباب والخنفساء اللذين وجدهما صلى اللَّه عليه وسلم ميتين في الطعام فأمر بإلقائهما والتسمية عليه والأكل منه. ويدل على جواز قتل الذباب بالغمس لصيرورته بذلك عقورًا وعلى تحريم أكل المستخبث للأمر بطرحه. ورواية إناء أحدكم تشمل إناء الطعام والشراب وغيرهما فهي أعم من رواية شراب أحدكم. والفائدة في الأمر بغمسه جميعًا هي أن يتصل ما فيه من الدواء بالطعام أو الشراب كما اتصل به الداء فيتعادل الضار والنافع فيندفع الضرر.
1- قد أسلفنا قوله: صلى اللَّه عليه وسلم (المسلم لا ينجس) وهو عام في الحي والميت. قال البخاري وقال ابن عباس المسلم لا ينجس حيًا ولا ميتًا. وعن أنس بن مالك: (أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال: احلقه فحلقه فأعطاه أبا طلحة وقال: اقسمه بين الناس). متفق عليه. 2- وعن أنس قال: (لما أراد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أن يحلق الحجام رأسه أخذ أبو طلحة بشعر أحد شقي رأسه بيده فأخذ شعره فجاء به إلى أم سليم قال: وكانت أم سليم تدوفه في طيبها). رواه أحمد. 3- وعن أنس بن مالك: (أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى اللَّه عليه وسلم نطعًا يقيل عندها على ذلك النطع فإذا قام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جعلته في سك قال: فلما حضرت أنس بن مالك الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه). أخرجه البخاري. 4- وفي حديث صلح الحديبية من رواية مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أن عروة بن مسعود: (قام من عند رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه ولا يبصق بصاقًا إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه). رواه أحمد. 5- وعن عثمان بن عبد اللَّه بن موهب قال: (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فكان إذا أصاب الإنسان عين أو شيء بعث إليها بإناء فخضخضت له فشرب منه فاطلعت في الجلجل فرأيت شعرات حمرًا). رواه البخاري. 6- وعن عبد اللَّه بن زيد وهو صاحب الأذان: (أنه شهد النبي صلى اللَّه عليه وسلم عند المنحر ورجل من قريش وهو يقسم أضاحي فلم يصبه شيء ولا صاحبه فحلق رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم رأسه في ثوبه فأعطاه منه وقسم منه على رجال وقلم أظفاره فأعطى صاحبه قال وإن شعره عندنا لمخضوب بالحناء والكتم). رواه أحمد. أحاديث الباب يشهد بعضها لبعض وقد أخرج أحمد كل حديث منها من طرق. قوله: في ترجمة الباب [قد أسلفنا قوله: صلى اللَّه عليه وسلم (المسلم لا ينجس) إلخ] قد تقدم الحديث في باب طهارة الماء المتوضأ به وتقدم شرحه هنالك. قوله: [وعن أنس] سيأتي هذا الحديث بنحو ما هنا في الحج في باب النحر والحلاق وقد روي بألفاظ منها ما ذكره المصنف هنا ومنها ما أخرجه أبو عوانة في صحيحه بلفظ: (أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أمر الحلاق فحلق رأسه ودفع إلى أبي طلحة الشق الأيمن ثم حلق الشق الآخر فأمره أن يقسمه بين الناس). ولمسلم في رواية (أنه قسم الأيمن فيمن يليه). وفي لفظ: (فوزعه بين الناس الشعرة والشعرتين وأعطى الأيسر أم سليم) وفي لفظ: (فأما الأيمن فوزعه أبو طلحة بأمره صلى اللَّه عليه وسلم وأما الأيسر فأعطاه لأم سليم زوجته بأمره صلى اللَّه عليه وسلم لتجعله في طيبها). قال النووي: فيه استحباب البداءة بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو قول الجمهور خلافًا لأبي حنيفة. وفيه طهارة شعر الآدمي وبه قال الجمهور. وفيه التبرك بشعره صلى اللَّه عليه وسلم. وفيه المواساة بين الأصحاب بالعطية والهدية. قال الحافظ: وفيه أن المواساة لا تستلزم المساواة. وفيه تنفيل من يتولى التفرقة على غيره واختلفوا في اسم الحالق فالصحيح أنه معمر بن عبد اللَّه كما ذكره البخاري وقيل أبو خراش بن أمية والصحيح أنه كان الحالق بالحديبية. وذهب جماعة من الشافعية إلى أن الشعر نجس وهي طريقة العراقيين وأحاديث الباب ترد عليهم واعتذارهم عنها بأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم مكرم لا يقاس عليه غيره اعتذار فاسد لأن الخصوصيات لا تثبت إلا بدليل. قال الحافظ: فلا يلتفت إلى ما وقع في كثير من كتب الشافعية مما يخالف القول بالطهارة فقد استقر القول من أئمتهم على الطهارة هذا كله في شعر الآدمي. وأما شعر غيره من غير المأكول ففيه خلاف مبني على أن الشعر هل تحله الحياة فينجس بالموت أو لا فذهب جمهور العلماء إلى أنه لا ينجس بالموت وذهبت الشافعية إلى أنه ينجس بالموت واستدل للطهارة بما ذكره ابن المنذر من أنهم أجمعوا على طهارة ما يجز من الشاة وهي حية وعلى نجاسة ما يقطع من أعضائها وهي حية فدل ذلك على التفرقة بين الشعر وغيره من أجزائها وعلى التسوية بين حالتي الموت والحياة. قوله: (تدوفه) الدوف الخلط والبل بماء ونحوه ودفت المسك فهو مدوف ومدووف أي مبلول أو مسحوق ولا نظير له سوى مصوون كذا في القاموس ومثله في النهاية. قوله: (نطعًا) بكسر النون وفتحها مع سكون الطاء وتحريكها بساط من الإدم الجمع أنطاع ونطوع. قوله: (في سك) بمهملة مضمومة فكاف مشددة وهو طيب يتخذ من الرامك مدقوقًا منخولًا معجونًا بالماء ويعرك شديدًا ويمسح بدهن الخيري لئلا يلصق بالإناء ويترك ليلة ثم يسحق المسك ويعرك شديدًا ويترك يومين ثم يثقب بمسلة وينظم في خيط قنب ويترك سنة وكلما عتق طابت رائحته. قاله في القاموس والرامك بالراء كصاحب شيء أسود يخلط بالمسك. والقنب نوع من الكتان. وفيه دليل على طهارة العرق لأنه وقع منه صلى اللَّه عليه وسلم التقرير لأم سليم وهو مجمع على طهارته من الآدمي. قوله: (بجلجل) بجيمين مضمومتين بينهما لام الجرس. قال الكرماني: ويحمل على أنه كان مموهًا بفضة لا أنه كان كله فضة. قال الحافظ: وهذا ينبني على أن أم سلمة كانت لا تجيز استعمال آنية الفضة في غير الأكل والشرب ومن أين له ذلك فقد أجاز ذلك جماعة من العلماء: قلت: والحق الجواز إلا في الأكل والشرب لأن الأدلة لم تدل على غيرها بين [هكذا الأصل وهو غير ظاهر ولعل في الكلام حذفًا تقديره: وبين الحالتين فرق [تنبيه] وقع في صحيفة 71 سطر 4 . غيرها بين الحالتين وهو موافق لأصله وعلق عليه: وصوابه: غير هاتين الحالتين فيصلح]. الحالتين. قوله: (فخضخضت) بخاءين وضادين معجمات والخضخضة تحريك الماء. قوله: (والكتم) هو نبت يخلط بالحناء وسيأتي ضبطه وتفسيره.
|